كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ} انقطع الكلام هاهنا ثم استأنف فقال {نُورٌ عَلى نُورٍ} ولو كان: نورا على نور كان صوابا تخرجه من الأسماء المضمرة من الزجاجة والمصباح.
وقوله: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (36)} قرأ الناس بكسر الباء. وقرأ عاصم {يُسَبِّحُ} بفتح الباء. فمن قال {يُسَبِّحُ} رفع الرجال بنيّة فعل مجدّد. كأنه قال يسبّح له رجال لا تلهيهم تجارة.
ومن قال {يُسَبِّحُ} بالكسر جعله فعلا للرجال ولم يضمر سواه.
وقوله: {لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ (27)} فالتجارة لأهل الجلب، والبيع ما باعه الرجل على يديه كذا جاء في التفسير.
وقوله: {تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ} يقول: من كان في دنياه شاكأ أبصر ذلك في أمر آخرته، ومن كان لا يشكّ ازداد قلبه بصرا لأنه لم يره في دنياه فذلك تقلّبها.
وأمّا قوله: {في بيوت أذن اللّه أن ترفع (36)} فإن دخول {فى} لذكر المصباح الذي وصفه فقال: كمثل مصباح في مسجد. ولو جعلت {فى} لقوله: {يُسَبِّحُ} كان جائزا، كأنه: قال في بيوت أذن اللّه أن ترفع يسبج له فيها رجال.
وأمّا قوله: {أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} أي تبنى.
وأمّا قوله: {وَإِقامِ الصَّلاةِ} فإن المصدر من ذوات الثلاثة إذا قلت: أفعلت كقيلك: أقمت وأجرت وأجبت يقال فيه كله: إقامة وإجارة وإجابة لا يسقط منه الهاء. وإنما أدخلت لأن الحرف قد سقطت منه العين، كان ينبغى أن يقال: أقمته إقواما وإجوابا فلمّا سكّنت الواو وبعدها ألف الإفعال فسكّنتا سقطت الأولى منهما. فجعلوا فيه الهاء كأنها تكثير للحرف. ومثله ممّا أسقط منه بعضه فجعلت فيه الهاء قولهم: وعدته عدة ووجدت في المال جدة، وزنة ودية وما أشبه ذلك، لما أسقطت الواو من أوّله كثّر من آخره بالهاء. وإنما استجيز سقوط الهاء من قوله: {وَإِقامِ الصَّلاةِ} لإضافتهم إيّاه، وقالوا: الخافض وما خفض بمنزلة الحرف الواحد. فلذلك أسقطوها في الإضافة.
وقال الشاعر:
إنّ الخليط أجدّوا البين فانجردوا ** وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا

يريد عدة الأمر فاستجاز إسقاط الهاء حين أضافها.
وقوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ (39)} القيعة جماع القاع واحدها قاع كما قالوا: جار وجيرة. والقاع من الأرض: المنبسط الذي لا نبت فيه، وفيه يكون السّراب. والسّراب ما لصق بالأرض، والآل الذي يكون ضحى كالماء بين السّماء والأرض.
وقوله: {حَتَّى إِذا جاءَهُ} يعنى السّراب {لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} وهو مثل للكافر كان يحسب أنه على شيء فلمّا قدم على ربّه لم يجد له عملا، بمنزلة السراب {وَوَجَدَ اللَّهَ} عند عمله يقول: قدم على اللّه فوفّاه حسابه.
(40) والظلمات مثل لقب الكافر، أي أنه لا يعقل ولا يبصر، فوصف قلبه بالظلمات. ثم قال: {إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها} فقال بعض المفسّرين: لا يراها، وهو المعنى لأن أقل من الظلمات التي وصفها اللّه لا يرى فيها الناظر كفّه. وقال بعضهم إنما هو مثل ضربه اللّه فهو يراها ولكنه لا يرها إلّا بطيئا كما تقول: ما كدت أبلغ إليك وأنت قد بلغت. وهو وجه العربية. ومن العرب من يدخل كاد ويكاد في اليقين فيجعلها بمنزلة الظن إذا دخل، فيما هو يقين كقوله: {وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} في كثير من الكلام.
وقوله: {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ (41)} وتسبيحه ترفع كلّا بما عاد إليه من ذكره وهى الهاء في {صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} وإن شئت جعلت العلم لكل، أي كل قد عاد صلاته وتسبيحه فإن شئت جعلت الهاء صلاة نفسه وتسبيحا. إن شئت: تسبيح اللّه وصلاته التي نصلّيها له وتسبيجها، وفى القول الأوّل: كلّ قد علم اللّه صلاته وتسبيحه. ولو أتت كلّا قد علم بالنصب على قولك: علم اللّه صلاة كلّ وتسبيحه فتنصب لوقوع الفعل على راجع ذكرهم. أنشدنى بعض العرب:
كلّا قرعنا في الحروب ** صفاته ففررتم وأطلتم الخذلانا

ولا يجوز أن تقول: زيدا ضربته. وإنما جاز في كلّ لأنها لا تأتى إلّا وقبلها كلام، كأنها متّصلة به كما تقول: مررت بالقوم كلّهم ورأيت القوم كلّا يقول ذلك، فلمّا كانت نعتا مستقصى به كانت مسبوقة بأسمائها وليس ذلك لزيد ولا لعبد اللّه ونحوهما لأنها أسماء مبتدآت.
وقد قال بعض النحويين: زيدا ضربته، فنصبه بالفعل كما تنصبه إذا كان قبله كلام. ولا يجوز ذلك إلا أن تنوى التكرير، كأنه نوى أن يوقع ب: يقع الضرب على زيد قبل أن يقع على الهاء، فلمّا تأخّر الفعل أدخل الهاء على التكرير. ومثله ممّا يوضحه.
قولك: بزيد مررت به. ويدخل على من قال زيدا ضربته على كلمة أن يقول: زيدا مررت به وليس ذلك بشىء لأنه ليس قبله شيء يكون طرفا للفعل.
وقوله: {يُزْجِي سَحابًا (43)} يسوقه حيث يريد. والعرب تقول: نحن نزجى المطىّ أي نسوقه.
وقوله: {يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ} يقول القائل: بين لا تصلح إلّا مضافة إلى اثنين فما زاد، فكيف قال {ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ} وإنما هو واحد؟ قلنا: هو واحد في اللفظ ومعناه جمع ألا ترى قوله: {يُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ} ألا ترى أن واحدته سحابة، فإذا ألقيت الهاء كان بمنزلة نخلة ونخل وشجرة وشجر، وأنت قائل: فلان بين الشجر وبين النخل، فصلحت بين مع النخل وحده لأنه جمع في المعنى. والذي لا يصلح من ذلك قولك: المال بين زيد، فهذا خطأ حتى تقول: بين زيد وعمرو وإن نويت بزيد أنه اسم لقبيلة جاز ذلك كما تقول: المال بين تميم تريد: المال بين بنى تميم وقد قال الأشهب بن رميلة:
قفا نسأل منازل آل ليلى ** بتوضح بين حومل أو عرادا

أراد بحومل منزلا جامعا فصلحت بين فيه لأنه أراد بين أهل حومل أو بين أهل عراد.
وقوله: {فَتَرَى الْوَدْقَ} الودق: المطر.
وقوله: {فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ} يعذّب به من يشاء.
قوله: {مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ} والمعنى- واللّه أعلم- أن الجبال في السّماء من برد خلقة مخلوقة، كما تقول في الكلام، الآدمىّ من لحم ودم ف {من} هاهنا تسقط فتقول: الآدمىّ لحم ودم، والجبال برد. وكذا سمعت تفسيره. وقد يكون في العربيّة أمثال الجبال ومقاديرها من البرد، كما نقول: عندى بيتان تبنا، والبيتان ليسا من التبن، إنما تريد: عندى قدر بيتين من التبن. فمن في هذا الموضع إذا أسقطت نصبت ما بعدها، كما قال {أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِيامًا} وكما قال {مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا}.
وقوله: {يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ} وقد قرأها أبو جعفر {يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ} وقوله: {واللّه خالق كلّ دابّة (45)} و{خلق} وأصحاب عبد اللّه قرأوا {خالق} ذكر عن أبى إسحاق السّبيعىّ- قال الفراء: وهو الهمداني- أنه قال: صليت إلى جنب عبد اللّه بن معقل فسمعته يقول: {واللّه خالق كلّ دابّة} والعوامّ بعد {خَلَقَ كُلَّ}.
وقوله: {كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ} يقال: كيف قال {مَنْ يَمْشِي} وإنما تكون {من} للناس وقد جعلها هاهنا للبهائم؟
قلت: لمّا قال {خالق كل دابّة} فدخل فيهم الناس كنى عنهم فقال {منهم} لمخالطتهم الناس، ثم فسّرهم بمن لمّا كنى عنهم كناية الناس خاصّة، وأنت قائل في الكلام: من هذان المقبلان لرجل ودابّته، أو رجل وبعيره. فتقوله بمن وبما لاختلاطهما، ألا ترى أنك تقول: الرجل وأباعره مقبلون فكأنهم ناس إذا قلت: مقبلون.
وقوله: {مُذْعِنِينَ (49)}: مطيعين غير مستكرهين. يقال: قد أذعن بحقّى وأمعن به واحد، أي أقرّ به طائعا.
وقوله عزّ وجلّ: {أم يخافون أن يحيف اللّه عليهم ورسوله (50)} فجعل الحيف منسوبا إلى اللّه وإلى رسوله، وإنما المعنى للرّسول، ألا ترى أنه قال {وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} ولم يقل ليحكما وإنما بدئ باللّه إعظاما له، كما تقول: ما شاء اللّه وشئت وأنت تريد ما شئت، وكما تقول لعبدك: قد أعتقك اللّه وأعتقتك.
وقوله: {إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)} ليس هذا بخبر ماض يخبر عنه، كما تقول: إنما كنت صبيّا، ولكنه: إنما كان ينبغى أن يكون قول المؤمنين إذ دعوا أن يقولوا سمعنا. وهو أدب من اللّه. كذا جاء التفسير.
وقوله: {فَإِنْ تَوَلَّوْا (54)} واجه القوم ومعناه: فإن تتولّوا. فهى في موضع جزم. ولو كانت لقوم غير مخاطبين كانت نصبا لأنها بمنزلة قولك: فإن قاموا. والجزاء يصلح فيه لفظ فعل ويفعل، كما قال {فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
وقوله: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ} هؤلاء غير مخاطبين. وأنت تعرف مجزومة من منصوبه بالقراءة بعده ألا ترى قوله: {فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ} ولم يقل: وعليهم. وقال {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ} فهذا يدلّ على فعلوا.
وقوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ (55)} العدة قول يصلح فيها أن وجواب اليمين. فتقول: وعدتك أن آتيك، ووعدتك لآتينّك. ومثله {ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ} وإنّ أن تصلح في مثله من الكلام. وقد فسّر في غير هذا الموضع.
وقوله: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ} قرأها عاصم بن أبى النّجود والأعمش {وليبدّلنّهم} بالتشديد. وقرأ الناس {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ} خفيفة وهما متقاربان. وإذا قلت للرجل قد بدّلت فمعناه غيّرت وغيّرت حالك ولم يأت مكانك آخر. فكل ما غيّر عن حاله فهو مبدّل بالتشديد. وقد يجوز مبدل بالتخفيف وليس بالوجه: وإذا جعلت الشيء مكان الشيء قلت: قد أبدلته كقولك أبدل لى هذا الدرهم أي أعطنى مكانه. وبدّل جائزة فمن قال {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} فكأنه جعل سبيل الخوف أمنا. ومن قال {وليبدلنّهم} بالتخفيف قال: الأمن خلاف الخوف فكأنه جعل مكان الخوف أمنا أي ذهب بالخوف وجاء بالأمن. وهذا من سعة العربية وقال أبو النجم:
عزل الأمير للأمير المبدل

فهذا يوضح الوجهين جميعا.
وقوله: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا (57)} قرأها حمزة {لا يحسبنّ} بالياء هاهنا. وموضع {الذين} رفع. وهو قليل أن تعطّل أظنّ من الوقوع على أن أو على اثنين سوى مرفوعها.
وكأنه جعل {مُعْجِزِينَ} اسما وجعل {فِي الْأَرْضِ} خبرا لهم كما تقول: لا تحسبنّ الذين كفروا رجالا في بيتك، وهم يريدون أنفسهم. وهو ضعيف في العربية. والوجه أن تقرأ بالتاء لكون الفعل واقعا على {الذين} وعلى {معجزين} وكذلك قرأ حمزة في الأنفال {ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا}.
وقوله: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ (58)} يعنى الرجال والنساء. ثم قال {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ} الصبيان {ثَلاثَ مَرَّاتٍ} ثم فسرهنّ فقال {مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ} عند النوم. ثم قال {ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ} فنصبها عاصم والأعمش، ورفع غيرهما. والرفع في العربيّة أحبّ إلىّ. وكذلك أقرأ. والكسائي يقرأ بالنصب لأنه قد فسرها في المرات وفيما بعدها فكرهت أن تكرّ ثالثة واخترت الرفع لأنّ المعنى- واللّه أعلم- هذه الخصال وقت العورات ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهنّ. فمعها ضمير يرفع الثلاث. كأنك قلت: هذه ثلاث خصال كما قال {سُورَةٌ أَنْزَلْناها} أي هذه سورة، وكما قال {لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ}.
وأمّا قوله: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} فإنه أيضا مستأنف كقولك في الكلام: إنما هم خدمكم، وطوّافون عليكم. ولو كان نصبا لكان صوابا تخرجه من {عليهم} لأنها معرفةو {طَوَّافُونَ} نكرة ونصبه كما قال {مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا} فنصب لأن في الآية قبلها ذكرهم معرفة، و{مَلْعُونِينَ} نكرة.
وقوله: {وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (59)} يقول: لا يدخلنّ عليكم في هذه الساعات إلا بإذن ولا في غير هذه السّاعات إلّا بإذن. وقوله: {كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يريد الأحرار.
وقوله: {وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحًا (60)} لا يطمعن في أن يتزوّجن من الكبر {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ} و{من ثيابهنّ} وهو الرداء. فرخّص للكبيرة أن تضعه، لا تريد لذلك التزيّن. ثم قال {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ} فلا يضعن الأردية {خَيْرٌ لَهُنَّ} وفى قراءة عبد اللّه {أن يضعن من ثيابهم}.
وقوله: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ (61)} إلى آخر الآية، كانت الأنصار يتنزّهون عن مؤاكلة الأعمى والأعرج والمريض، ويقولون: نبصر طيّب الطعام ولا يبصره فنسبقه إليه، والأعرج لا يستمكن من القعود فينال ما ينال الصحيح، والمريض يضعف عن الأكل. فكانوا يعزلونهم.
فنزل: ليس عليكم في مؤاكلتهم حرج. وفى تصلح مكان {على} هاهنا كما تقول: ليس على صلة الرحم وإن كانت قاطعة إثم، وليس فيها إثم، لا تبالي أيّهما قلت.
ثم قال {وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} إلى آخر الآية. لمّا أنزل اللّه {لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً} ترك الناس مؤاكلة الصّغير والكبير ممّن أذن اللّه في الأكل معه ومنه، فقال: وليس عليكم {فى أنفسكم} في عيالكم أن تأكلوا منهم ومعهم إلى قوله: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} معناه: أو بيوت صديقكم، وقبلها {أَوْ بيوت ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ} يعنى بيوت عبيدكم وأموالهم فذلك قوله: {مَفاتِحَهُ} خزائنه وواحد المفاتح مفتح إذا أردت به المصدر وإذا كان من المفاتيح التي يفتح بها- وهو الإقليد- فهو مفتح ومفتاح.
وقوله: {فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ} إذا دخل على أهله فليسلّم. فإن لم يكن في بيته أحد فليقل السّلام علينا من ربّنا، وإذا دخل المسجد قال: السلام على رسول اللّه، السّلام علينا وعلى خيار عباد اللّه الصالحين، ثم قال: {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} أي من أمر اللّه أمركم بها تفعلون تحيّة منه وطاعة له. ولو كانت رفعا على قولك: هي تحيّة من عند اللّه كان صوابا وقوله: {وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ (62)} كان المنافقون يشهدون الجمعة مع النبىّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيذكّرهم ويعيبهم بالآيات التي تنزل فيهم، فيضجرون من ذلك. فإن خفى لأحدهم القيام قام فذلك قوله: {قد يعلم اللّه الذين يتسلّلون منكم لواذا (63)} أي يستتر هذا بهذا وإنّما قالوا: لو إذا لأنها مصدر لاوذت، ولو كانت مصدرا للذت لكانت لياذا أي لذت لياذا، كما تقول: قمت إليه قياما، وقاومتك قواما طويلا. وقوله: {لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} يقول: لا تدعوه يا محمد كما يدعو بعضكم بعضا. ولكن وقّروه فقولوا: يا نبىّ اللّه يا رسول اللّه يا أبا القاسم. اهـ.